إن من أهم المعالم التي ينبغي أن يتحلى بها الوعظ والإرشاد في العمل الديني ؛ الارتباط بمفهوم الوطن، بما هو أسرة واحدة، ورَحِمٌ مشتركة. وذلك بجعل الخطاب الوعظي مربيا على الإخلاص للأمة
ولا يتحقق ذلك للعبد إلا إذا ارتقى إخلاصه إلى مستوى الإيمان. وهنا تكون المصالح العليا للبلاد هي الراجحة في جميع اختياراته، وكل مواقفه وتصوراته وتصرفاته. وبذلك يتحقق بأخلاق الوطنية الحقة والمواطنة المندمجة. فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحن إلى مكة ويقول: ( ما أطيبك من بلد ! وأحبك إلي، ولولا أن قومي أخرجوني منك ما سكنتُ غيرك! )[1]
وفقه الواجبات الكفائية يخدم هذه الحقيقة في الإسلام، لمن أحسن الاستفادة من مقاصده ومعانيه الكلية. إذ العاملُ بالواجب الكفائي متجردٌ من حظه، داخلٌ في خدمة دينه، قائم بحق ربه؛ بخدمة حقوق خَلْقِه. وهذا من أجَلِّ المعاني وأرفعها في الدين، في مجال تزكية الأنفس، بما يجعلها فانية عن حظها باقية بشهود حق ربها. ولذلك لما فكر المسلمون في الحقوق؛ فكروا أول ما فكروا في الرعاية لحقوق الله ؛ لأن القائم بحق الله قائم بحق خلقه بالضرورة. وفي هذا السياق تكون مقولة "حقوق الإنسان" - بالمنظور الإسلامي - مندرجة ضمن مفهوم التعبد أصالةً