يرجع لفظ "المناظرة" إلى فعل "نظر" الذي يفيد في وضعه اللغوي الإبصار والتأمل والتدبر والتفكر، كما يعني المباحثة والمباراة في المحاجة. والمناظر: المجادل والمحاج
أما المناظرة في وضعها الاصطلاحي فترجع إلى "المحاورة في الكلام بين شخصين مختلفين يقصد كل واحد منهما تصحيح قوله، وإبطال قول الآخر، مع رغبة كل منهما في ظهور الحق.
الغرض من المناظرة هو الوصول إلى الصواب في الموضوع الذي اختلفت أنظار المناقشين له والمتناظرين حوله".
وقد أصبحت المناظرة فنا قائما بذاته بحثه علماؤنا تحت اسم "أدب البحث والمناظرة" وأفردوا له متونا خاصة، مثل أدب البحث لعضد الدين الإيجي، ومنظومة زين المرصفي في البحث، ومنظومة طاش كبرى زاده، في طرق البحث والمناظرة ... وقد عمد هؤلاء إلى توظيف قواعد علم المنطق وأساليب الحجاج القرآني، وكان شعارهم: إن كنت ناقلا فالصحةُ، وإن كنت مدعيا فدليلُ.
وهناك نماذج لمناظرات احتفظ لنا بها التاريخ تظهر بجلاء عبقرية العقل المسلم وقدرته الفائقة على إقناع الخصم بصحة ما يعتقده المسلمون ويؤمنون به.
ومن المؤلفات التي أفرد لهذا لفن المناظرة:
· كتاب: "عيون المناظرات" لأبي عمر السكوني (تـ 1317 هـ) فقد جمع فيه مؤلفه مائة وستين مناظرة جعلها بمثابة رياضة المتعلمين في علم الوحيد، وقد عمل على تحقيق هذا الكتاب القيم، سعد غراب، منشورات الجامعة التونسية، 1976.
· كتاب "الْحَيْدَة" للإمام عبد العزيز بن يحيى الكناني (تـ 240 هـ) تحقيق د. جميل صليبيا، فهذا العالم ندب نفسه للتصدي لأخطر قضية عقدية عرفها المسلمون وافتتنوا بسببها ألا وهي قضية خلق القرآن أو محنة خلق القرآن التي كان يروج لها المعتزلة، بل ويجتهدون في فرضها على الناس وإرغامهم على القول بها على الرغم من فسداها ومخالفتها لعقيدة أهل السنة والجماعة.
· ومن المناظرات الشهير في التاريخ الإسلامي مناظرة ابن عباس رضي الله عنه مع الخوارج. وقد كان لهذه المناظرة تأثير واضح في نفوس كثير منهم لقوة الحجة التي كان يستند إليها ابن عباس والقدرة على تأويل النصوص واستحضار الشواهد القرآنية. وكان من بركة هذه المناظرة أن رجع ألفان منهم إلى الصواب.
وعسى أن تكون نماذج المناظرات التي سنتحف بها زوار موقعنا أداة لتقوية عقيدة أهل السنة والجماعة والحجاج عنها، وإبراز مفاخر أئمة هذه العقيدة، وما يمتازون به من قوة الحجة واستحضار الدليل وسرعة البديهة.[1]